هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

بوش ومكافحة الملاريا في أفريقيا

اذهب الى الأسفل

بوش ومكافحة الملاريا في أفريقيا Empty بوش ومكافحة الملاريا في أفريقيا

مُساهمة من طرف سمر الجمعة مايو 25, 2007 5:43 am

بوش ومكافحة الملاريا في أفريقيا

د.ثائر الدوري

دعا الرئيس جورج بوش كافة الأمريكيين للمشاركة بالقضاء على الملاريا في أفريقيا، و ذلك في كلمة ألقاها بمناسبة يوم الملاريا و المصادف في 25 نيسان.و كان هذا اليوم قد أقر في قمة ( تحدي الملاريا في أفريقيا ) التي عقدت في البيت الأبيض في كانون الأول / ديسمبر عام 2006، و يهدف هذا اليوم لإبراز الاهتمام بالمعركة ضد الملاريا في أفريقيا.

و قال الرئيس بوش في كلمته،إن ( الأميركيين شعب رؤوف يتعاطف بشدة مع الآخرين في محنهم ويهتم جداً بمستقبل عالمنا، ويحق لنا أن نفخر بما يقوم به بلدنا في مكافحة المرض واليأس ونحن نستطيع، من خلال وقوفنا إلى جانب الشعوب الإفريقية في معركتها ضد الملاريا، المساعدة في إزاحة عبء من المعاناة التي يمكن تجنبها عن كاهلهم، وتوفير الأمل والصحة لهم، وعقد صداقات دائمة معهم.)

وقال الرئيس بوش أثناء الاحتفال إنه سيثير قضية الملاريا في حزيران/ يونيو عندما يجتمع مع قادة الدول الصناعية الرئيسية الأخرى، المعروفة باسم مجموعة الثماني وهي تضم كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، روسيا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة.كما أعلن الرئيس أن ثماني دول افريقية جديدة انضمت لبرنامج بلاده لمكافحة مرض الملاريا والذي يتكلف 1.2 مليار دولار.

وقال بوش، إنه يوجد الآن 23 دولة أفريقية مشتركة في البرنامج الذي أنطلق في حزيران 2005 ويستمر خمس سنوات، حيث خصص مبلغ 1.2 بليون دولار لجهود المكافحة، التي ترأسها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالتعاون مع عدة وكالات حكومية أخرى مهتمة بالرعاية الصحية، بما فيها المراكز الأميركية لضبط الأمراض والوقاية منها.

و الملاريا لمن لا يعرف هي مرض يسببه طفيلي وحيد الخلية ينتقل بواسطة نوع من البعوض، حيث تضع البعوضة هذا الطفيلي في دم الإنسان فيتكاثر داخل الكريات الحمر للدم مما يؤدي إلى انفجار هذه الكريات و بالتالي ينحل الدم و يتضخم الكبد و الطحال و تحدث نوب شديدة من ارتفاع الحرارة، و قد يؤدي هذا الأمر للوفاة، حيث تقدر منظمة الصحة العالمية عدد الوفيات بمليون وفاة سنويا أغلبها في أفريقيا و تقدر عدد المصابين بهذا المرض ما بين 350 – 500 مليون إنسان.ترتكز مكافحة هذا المرض على مكافحة البعوض الناقل عبر رش المبيدات الحشرية،و ردم المستنقعات التي يعيش عليها هذا البعوض،و توفير ناموسيات لنوم الناس تحتها لحمايتهم من البعوض،و أخيراً توفير الأدوية لمعالجة المصابين بهذا المرض.

و على الفور يتبادر للذهن تساؤل:
من أين هبطت هذه الروح الإنسانية على إدارة الرئيس بوش، فجعلت الرئيس بوش يتفرغ لمكافحة الأمراض و المرضى و يعقد القمم و يصرف النقود لخير الإنسانية، في حين أن نفس الإدارة تقتل ملايين البشر من العراق إلى فلسطين و أفغانستان، و تقصف و تدمر دون أي رادع أخلاقي، أو ديني، أو إنساني !

لا شك أن هذه الدعوة تخفي ما تخفي ، فالعارفون بالإدارة الأمريكية يدركون أن كل عمل تقوم به و إن كان ظاهره إنساني ففي باطنه العذاب.



في فبراير / شباط 2007 قررت الولايات المتحدة إنشاء قيادة عسكرية مستقلة لأفريقيا، أما قبل ذلك كانت أفريقيا لا تمتلك قيادة عسكرية خاصة بها إنما كانت موزعة على ثلاث قيادات عسكرية هي:

القيادة العسكرية الأمريكية في أوربا وتشرف على عملياتها في 43 بلدا أفريقيا في شمال وجنوب الصحراء،
والقيادة الأمريكية الوسطى وتشرف على العمليات العسكرية في القرن الأفريقي،
أما القيادة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادي فتشرف على العمليات في مدغشقر.
لكن ذلك صار من الماضي فقد صار لأفريقيا قيادتها العسكرية الأمريكية الخاصة فيا لسعد أفريقيا !!

هل هناك من رابط بين الاهتمام الأمريكي بمكافحة الملاريا في أفريقيا و بصحة الناس هناك، و بين إنشاء قيادة عسكرية خاصة لهذه القارة ؟
و ما هو سر تحول الرئيس بوش إلى الأم تيريزا الأفريقية ؟

إن الجواب الأولي على هذا السؤال

هو ارتفاع أهمية القارة في استراتيجية الولايات المتحدة الإمبراطورية

(( فتش عن النفط ))

تتسارع بشكل يومي ظاهرة الجوع إلى النفط، حيث أن الموارد المتاحة منه باتت محدودة، و يقدر العلماء أننا قد تجاوزنا ذروة إنتاج هذه المادة الثمينة التي تشكل عصب الحياة المعاصرة، و أن إنتاجه من كل أنحاء العالم آخذ في التراجع في حين أن الطلب عليه في ازدياد نتيجة توسع استهلاك القوى الصناعية الرئيسية، و دخول الصين و الهند إلى السوق كدول عطشى للنفط بشدة و تسعى للحصول عليه بأية وسيلة.

كل يوم يزداد اعتماد الولايات المتحدة على نفط أفريقيا، فأفريقيا تنتج يومياً أربعة ملايين برميل من النفط، و هو ما يعادل إنتاج إيران و المكسيك و فنزويلا. ويقدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية - الاونكتاد - مجمل الاحتياطي النفطي لأفريقيا بـ80 مليار برميل أي ما نسبته 8 % من الاحتياطي العالمي الخام. و تشير دراسة أجرتها المجموعة الوطنية لتطوير سياسة الطاقة في واشنطن إلى أن الولايات المتحدة سترفع واردتها النفطية من أفريقيا من 16 % إلى 25 % بحلول 2015. و يتميز نفط أفريقيا بنوعيته الجيدة و بسهولة نقله إلى السواحل الشرقية للولايات المتحدة عبر الأطلسي. و حالياً تستورد الولايات المتحدة نفطاً من أفريقيا أكثر مما تستورد من الشرق الأوسط.و تمتلك تشاد،على سبيل المثال،مليار برميل من احتياطي النفط و تشكل هي و دارفور الأخدود الأفريقي الأوسط،و هذا الأخدود يمتد من العمق السوداني في جنوب دارفور و هو مسؤول عن تكوين سلسلة من الأحواض الرسوبية الغنية بالنفط،لذلك أنشأت شركتي إكسون موبيل وشفرون الأميركيتين خط أنابيب بقيمة أربعة مليارات دولار لنقل بترول تشاد باتجاه موانئ الأطلسي ، حيث يصدر النفط من هناك إلى أميركا.و هذا هو سبب ما يسمى بأزمة دارفور و الحرب المستعرة في السودان و ما حوله.

في السبعينات نبه هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لأهمية أفريقيا حيث قال في أغسطس 1976:
( إن الموارد الطبيعية الهائلة لأفريقيا تعد عناصر أساسية للاقتصاد العالمي)
و انتقل الاهتمام الأمريكي بأفريقيا إلى مرحلة جديدة مع زيارة الرئيس بيل كلينتون لتلك القارة عام 1999، و التي استمرت اثني عشر يوماً و هناك أطلق صيحته الشهيرة:

( لقد آن الأوان لكي يضع الأمريكيون أفريقيا الجديدة على قائمة خريطتهم )

و تابع الرئيس بوش الابن نفس الإستراتيجية ، فقام بزيارة أخرى لعدة دول إفريقية في شهر يوليو من العام 2003.
بالتأكيد لم و لن يتحول الرئيس بوش إلى الأم تيريزا، و لن ترق قلوب الأمريكان لتصير رهيفة فتسمع أنات ضحايا الملاريا، كما أن شركات الدواء لن تحركها الدوافع الإنسانية، و هي المشغولة دوماً باكتشاف و إنتاج أدوية خافضة للكولسترول و للشحوم الثلاثية و للتنحيف لمعالجة أمراض أغنياء العالم المصابين بالتخمة و زيادة الوزن، و المهجوسة بتطوير زمر دوائية جديدة من المقويات الجنسية من أجل أن يستمتع شيوخ العالم الغربي بالقيام بوظائفهم الجنسية على شواطيء المتعة في العالم الثالث، في حين أن فقراء آسيا و أفريقيا لا يجدون من يهتم بأمراضهم لأنهم لا يقدرون على دفع ثمن الدواء، فظلت اللشمانيا و الملاريا و بقية الأمراض المدارية تعالج بأدوية قديمة ذات سمية عالية و نتائج علاجية غير مضمونة، و بعضها يعود إلى أربعينات القرن الماضي.

فما هو الحل لهذا اللغز ؟

و ما هو سر هذا الاهتمام المفاجيء بالملاريا الأفريقية ؟

لم تخيب شركات النفط المعتادة على الصراحة آمالنا، فأخبرتنا عن سر الاهتمام الأمريكي بالملاريا الأفريقية.

فقد قال عادل شاووش، مدير شعبة المسؤولية الاجتماعية في شركة ماراثون للنفط إن الشركات، وخصوصا قطاع الطاقة، التزمت بالمساعدة على إيجاد حلول طويلة الأجل للملاريا.
وقال إن الشركات تتكبد حوالي 12 بليون دولار من الخسارة الاقتصادية كل عام في أفريقيا بسبب الملاريا، بما في ذلك تكاليف حماية الموظفين من المرض وخسارة في إنتاج الموظفين من جراء المرض أو الوفاة.( موقع وزارة الخارجية الأمريكية )

إن الرأسمالية كنظام يهمها كفاءة العمل و بالتالي صحة العمال لذلك ليس من المستغرب أن تقوم بمبادرات من هذا النوع إذا كانت بحاجة إلى العمال، أما إن لم تكن بحاجة إليهم فلا مانع من إبادتهم.
( في القرن التاسع عشر أخذت مؤسسة روكفلر على عاتقها تنفيذ حملة واسعة ضد الدودة الخطافية في جنوب الولايات المتحدة.و بعدها مولت هذه المؤسسة أبحاث المناطق الحارة و رأت أن الطب يعد أسلوباً فائقاً للدعاية بفوائد الحضارة و الرأسمالية الغربية.و يعد طريقاً لفتح أسواق آسيا أمام الاختراق الأمريكي تجاريا و صناعيا )
و عندما قررت الولايات المتحدة إنشاء قناة بنما شنت حملة مكثفة لاستئصال الحمى الصفراء من هناك بين 1905 و 1913م
سمر
سمر
عضو ذهبي
عضو ذهبي

عدد الرسائل : 220
تاريخ التسجيل : 08/02/2007

https://samar.1forum.biz

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

بوش ومكافحة الملاريا في أفريقيا Empty رد: بوش ومكافحة الملاريا في أفريقيا

مُساهمة من طرف سمر الجمعة مايو 25, 2007 5:43 am

(( الطب الإمبريالي: الطب كأداة للسيطرة ))

قسمت الكولونيالية العالم إلى عالم مستعمَرين و مستعمِرين .و في هذا العالم لا يوجد شيء حيادي: لا الطب، و لا العلوم، و لا الثقافة، و لا الدين.كل شيء في هذا العالم منخرط في الصراع، و هو منحاز إلى أحد طرفيه، فإما أن يكون أداة من أدوات الهيمنة على الشعوب و إخضاعها، أو على العكس أداة من أدوات مقاومة الشعوب و انبعاثها. فالثقافة في العالم الكولونيالي إما أن تكون ثقافة استعمارية تعمل على ترسيخ سيطرة المستعمِر على المستعمَر ، و إما هي ثقافة مقاومة تعمل على التخلص من السيطرة و على إحياء عالم المستعمَر .

إن الطب الغربي لا يشذ عن هذه القاعدة فقد كان منذ البدء أداة من أدوات الاستعمار و السيطرة الغربية على الشعوب.فهو يعتبر مفخرة التجربة الاستعمارية من وجهة نظر منظريها، لأنه أنقذ حياة المستعمَرين ، و خفض وفيات الأطفال، و أدخل طرق علاجية حديثة كانت هذه الشعوب لا تعرفها.

منذ بدء عملية التبشير، التي مهدت للسيطرة الغربية على شعوب آسيا و أفريقيا، كان المبشرون الأوائل من الأطباء إذ اكتشفوا أنه يمكن النفاذ لقلوب السكان المحليين عبر تخفيف آلام الجسد.يقول الأسقف سميث عضو إرسالية الجامعات إلى أفريقيا الوسطى في عام 1893:

(( هناك في بعض المجالات للإرسالية يبدو أن الأطباء فقط هم الذين يستطيعون اكتساب أي نفوذ كبير فيها، و ثمة كراهية متعصبة ( كذا ) للمسيحية، لا يمكن هدمها إلا بإظهار التعاطف لما يحدث من آلام للجسد...مصحوباً بالقدرة على تخفيفها، و يبدو أنه لا يمكن إلا من خلال العمل الطبي وحده...العثور على ثغرة للنفاذ على قلوب هؤلاء الناس ))

فأنشأت الإرساليات التبشرية المشافي و مراكز المعالجة و تجول الأطباء المبشرون في المناطق النائية من آسيا و أفريقيا قبل أن ينزووا جانبا ليحل مكان الإرساليات التبشيرية الجيوش المحاربة، فاستبدل الطبيب المبشر بالطبيب العسكري، و قد شاهدنا أثناء العدوان الأمريكي على العراق و تقدم القوات الغازية داخل الأراضي العراقية صورا دعائية بثتها القنوات الفضائية لأطباء عسكريين من الجيش الأمريكي يعالجون أطفال العراق لإبراز الدور الإنساني و التحضيري لهذا الجيش متجاهلين أن العراق كان يملك أفضل نظام صحي في العالم الثالث. و هذا النظام يضاهي بل يتفوق على بعض الدول المتقدمة قبل أن يدمره الأمريكان بالقصف و العقوبات.و من المدهش أن نجد أن منسق برنامج مبادرة الرئيس بوش لمكافحة الملاريا تيموثي زيمر هو ضابط كبير برتبة أدميرال، و هذا يعد استمراراً لتقاليد المرحلة الاستعمارية.

لقد لعب الطب الغربي دوراً مزدوجاً في المساهمة بعملية السيطرة الغربية على الشعوب الآسيوية و الأفريقية، فمن جهة أولى كان أداة إيديولوجية من أدوات السيطرة و الهيمنة، فقد اكتشف الغربيون أن الطب يصلح ليكون أيديولوجيا استعمارية ضمن أيديولوجيا تحضير العالم التي اجتاحوا القارات باسمها، فبواسطة الطب نستطيع وسم الآسيويين و الأفارقة بالتخلف لأنهم مرضى تنتشر بينهم الأوبئة فيأتي الطبيب الغربي ليكافح الأمراض المستوطنة و يحسن صحة السكان فينقذهم من المرض و الأوبئة و ينقلهم إلى عالم الصحة و الرقي، أي أن الطبيب الغربي يساهم بتحضير هذا العالم البري غير المتحضر فينقل البشر الذين يسكنونه من التخلف إلى الرقي.
يقول هيوبرت ليوتي إن ( العذر الوحيد للاستعمار هو الطب )، و قد اعترف هذا الطبيب العسكري الفرنسي في المستعمرات أن الاستعمار قاس، لكن نبل الطب يمكن أن يبرره !

ألا يذكركم هذا بنصيحة توماس فريدمان للإدارة الأمريكية أن تكف عن حديث أسلحة الدمار الشامل لتبرير الغزو، و أن تكتفي بهدف التخلص من صدام حسين و نشر الديمقراطية للتبرير !

إن الطب جزء من إيديولوجية الاستعمار ( القوى الإمبريالية قد أخذت في استخدام الطب دليلاً على نواياها الخيرة و الأبوية، و كطريقة لكسب تأييد السكان من الرعايا الجدد، و لموازنة الملامح التعسفية للحكم الاستعماري، و إرساء سيطرة إمبريالية أوسع مما يمكن استقاؤه من الغزو وحده )

و من جهة أخرى كان للطب دور عملي يضاف لدوره الإيديولوجي في استعمار الغرب للعالم، فعملية السيطرة على المناطق الحارة في كل من آسيا و أفريقيا بدأت تؤتي ثمارها عبر السيطرة على الأمراض المنتشرة هناك، و التي كانت تعيق تقدم الرجل الغربي في أعماق هاتين القارتين.و يلاحظ كثير من المؤرخين أن نشوء طب المناطق الحارة قد تم في ذروة التوسع الغربي الاستعماري و ترافق مع بلوغ الرأسمالية مرحلة الإمبريالية فقد نشأت مدرستي ليفربول و لندن لطب المناطق الحارة عام 1899م. و في نفس الفترة الزمنية أدخلت مقررات هذه المادة في جامعات أدنبرة، دبرهام، أبردين، و الملكة في بلفاست.

كان طب المستعمرين في البدء يهتم بصحة الغزاة فقط، لكنهم انتبهوا فيما بعد أن السيطرة على كثير من الأوبئة و الأمراض يتطلب اهتماماً بصحة السكان المحليين.لا سيما ( أن تزايد الانتقالات و السفر جعل أوربا تعي أنها مستهدفة بأمراض المناطق الحارة.فقد وصلت أوبئة الكوليرا إلى أوربا عدة مرات بين الثلاثينات والتسعينيات من القرن التاسع عشر)

و تضافر هذا الأمر مع الاهتمام بصحة الجيش الاستعماري (... إن الأمان الصحي و الطبي للجيش، لا يمكن أن يكون مما ينتهي أمره عند أبواب الثكنات، و إنما يجب أن يمتد إلى المناطق المجاورة، المدنية و الريفية، بل إلى السكان المحليين ككل ) و يضاف إلى ذلك مطلب كفاءة العمل لتحقيق الربح و جعل الاستعمار عملية مربحة ( كان هناك اهتمام لمجمعات التعدين و المصانع و الثكنات و المراكز المدنية الرئيسية في حين كان هناك إهمال عام للسكان الريفيين و لصحة النساء و الأطفال.كما كان هناك تأكيد على الاهتمام بالمرض الوبائي بدلاً من المرض المتوطن،و الطب العلاجي بدلا من الوقائي )

و هكذا اجتمعت العوامل السابقة لتجعل الاهتمام بصحة سكان المستعمرات ضرورة نفعية ملحة من أجل نجاح المشروع الاستعماري، و لم يحدث هذا الأمر إلا بعد منتصف القرن التاسع عشر بسبب ( تزايد الإدراك بأن صحة الجنود و المدنيين الأوربيين لا يمكن تأمينها من خلال إجراءات توجه إلى صحتهم هم وحدهم، و هذا أمر تم التوصل لإدراكه في الهند في سياق القرن التاسع عشر )، أي أن كل اهتمام طبي غربي بالسكان المحليين هو نوع من الانشغال بالذات.

و نتيجة لارتفاع مكانة الطب إيديولوجيا و عملياً في العالم الاستعماري فقد ارتفعت مكانة الأطباء هناك، فبعد أن كانوا مبشرين و معالجين توسعت مهامهم كما استخدم الأطباء كمستشارين عسكريين و كدبلوماسيين يتم اختيارهم ارتجالاً تو اللحظة.و استخدموا أيضاً كجيولوجيين، و كرواد في علم الأنتربولوجيا.و إذا كان دافيد ليفنجستون يمثل النموذج الأصلي المبكر للمبشر الطبيب و رجل الاستكشاف في منتصف القرن التاسع عشر.فإن ليندر ستارجمسون، زميل سيسيل رودوس و قائد ((غارة جيمسون))في الترنسفال في 1895، يمثل لنا إنجاز رجل الطب الذي انقلب إلى مغامر و سياسي في أوج ازدهار الإمبراطورية، بعد ليفجنستون بنصف قرن ))

لكن هل كان للطب الغربي هذا الدور الحضاري في المجتمعات التي اجتاحها الغرب ؟
و هل ساهم برفع مستوى حياة و صحة السكان ؟

إن في الأمر كثيراً من الأوهام و المبالغات ، فما كان يقدمه الغزاة باليد اليمنى كانوا يعيدون الاستيلاء عليه مضاعفا باليد اليسرى، و رغم إنجازات الطب الغربي في مجال مكافحة الأمراض المستوطنة و الوبائية، و استفادة السكان المحليين منه في بعض المجالات إلا أن الإختلالات الاقتصادية و الاجتماعية التي فعلها الغزو الغربي داخل بنى المجتمعات في آسيا و أفريقيا عبر تدمير بناها الاقتصادية و الاجتماعية أخل بتوازن هذه المجتمعات فظهرت أوبئة جديدة، و انتشرت المجاعة، كما حدث في خليج البنغال، الذي كان يعد أهم مكان في العالم في صناعة النسيج ، و يذكر تشومسكي أنه كان متفوقاً على مانشستر قبل أن يدمر الإنكليز بإجراءاتهم المقصودة هذه الصناعة في البنغال لصالح مانشستر، فتحولت الهند إلى مصدر للقطن الخام إلى مصانع مانشستر.كما أن الوضع الصحي في أفريقيا انهار بعد الاجتياح الغربي لها.يقول أحد المؤرخين:
(( لا شك أن أسوأ فترة صحية في كل التاريخ الإفريقي هي بين 1890 – 1930 )).

يفكك الكاتب دافيد أرنولد في كتاب (( الطب الإمبريالي و المجتمعات المحلية )) قصة لقاح الجدري في الهند فيحاجج أن الجدري في البنغال كان قليل الفوعة و ضمن حدود السيطرة، لكن الغزو البريطاني مزق المجتمعات المحلية و سبب هجرات للسكان فسهل انتشار الجدري و زيادة فوعته.
أما بالنسبة لحكاية التلقيح ضد الجدري ، التي تعتبر مفخرة الطب الغربي ، فإن الكاتب يروي القصة من جانب آخر فيشرح أنه كان في الهند ممارسة تقوم على إحداث نوع من جدري مخفف بواسطة قشور تأخذ من مريض و تحفظ لمدة عام لتخفيف فوعة الفيروس،ثم يتم نقلها للمتلقي فيحدث جدري خفيف عنده يسبب مناعة تدوم مدى الحياة.
و كان هذا الشكل من التجدير مندمجاً في العادات و التقاليد المحلية، فالدين يقره لا بل يعتبر في بعض الحالات طقساً دينيا يترافق بتلاوة الصلوات و يقوم به أفراد من البراهمة.
و حتى الأوربيين الذين كانوا في الهند لجأوا لهذه الطريقة قبل أن يكون التطعيم متوفراً.و عندما دخل التطعيم لم يكن متفوقاً على التلقيح المباشر كما يدعي التاريخ الرسمي للطب الغربي و ذلك لأسباب عدة، فجدري البقر الذي يحضر منه اللقاح كان نادراً في الهند لذلك لم يكن هناك إمكانية لإنتاج الطعم محلياً.فاستعيض عن ذلك باستيراده من بعيد و أول طعم وصل إلى الهند في حزيران 1802 من خلال التنقيل بين أطفال يتم تطعيمهم من ذراع لآخر من بغداد حتى بومباي.و يمكن التوقع بسهولة أن الطعم فقد الكثير من فعاليته من خلال هذا التنقيل.ثم ظهر النقل بأنابيب السائل اللمفاوي المحكمة الإغلاق من بريطانيا إلى الهند عن طريق البحر أو البر.و عندما كان يحين موعد استخدامها كثيراً ما تكون فاقدة الفعالية.و كان أخذ السائل اللمفاوي من ذراع الطفل ممارسة مؤلمة بشكل هائل مما سبب نفوراً لدى الأهالي، و عندما حلت العجول مكان الأطفال اصطدم ذلك بالمعتقدات الهندوسية التي تقدس هذا الحيوان و ترفض أن يتألم.
كان معدل فشل التطعيم عالياً مقارنة بالتجدير و هذا سبب الحاجة لإعادة التطعيم بعد سنوات، و ذلك يعني عند الفتيات الهنديات البالغات أن يلمسهن الذكر الملقح، و هذا يعد أمراً محرماً في التقاليد الهندية.

و بعد ذلك يأتي قانون فرانز فانون ليفعل فعله.فحسب فانون يستحيل أن يتفق المستعمر ( بالكسر ) و المستعمر ( بالفتح ) على احترام قيمة واحدة في وقت واحد.لذلك جوبه الطعم برفض من الهنود، و برز تساؤل لماذا يحرص الهنود على وضع علامة ( تيكا ) على الناس ؟
و فسر الأمر إما بالحقد أو لانتهاك الطائفة و الدين،أو محاولة لتحويل الأفراد إلى المسيحية،أو أن الأشخاص الذين سيوضع عليهم العلامة سيضحى بهم من أجل استكمالا لأحد الكباري ،أو لأحد جسور سكة الحديد،أو أنه يمهد لفرض ضريبة جديدة.و من المعتقدات التفسيرية أن البريطانيين يبحثون عن طفل تجري في أوردته دماء بيضاء أو لبن لأنه سيكون المخلص ( المهدي ) الذي سيطرد الأجانب إلا إذا أمسكوا به و قتلوه.

يمكننا أن نلاحظ بسهولة أن فوائد الطب الغربي الحقيقية لم تعمم على السكان الغربيين، كافة إلا بعد بدء انحسار السيطرة الغربية، خاصة في الدول التي أنجزت استقلالات ثورية، فعممت برامج التلقيح على كافة السكان و قدمت خدمات طبية واسعة للنساء و الأطفال و الفلاحين و فقراء المدن.
أما في العهد الاستعماري فقد بقيت فوائد الطب الغربي محصورة بحدود مصالح الغربيين، فإن لم يكن لهم مصالح ببقاء السكان الأصليين على قيد الحياة لم يجدوا مانعاً من إبادتهم بوسائل مستمدة من فهم الطب الغربي للأمراض، و خير مثال على ذلك هو استعمال المستوطنين الأوائل في أمريكا جراثيم الجدري ضد السكان الأصليين مما يعد أول حرب جرثومية في التاريخ.

يقول منير العكش :

(( منذ أيام الطاعون الأسود كان الأوروبيون يعرفون هذا السلاح الجرثومي، وكانوا في حروبهم يستخدمون المنجنيق في قذف جثث الموتى بالطاعون أو جيف الحيوانات الموبوءة إلى داخل المدن التي يحاصرونها. ومنذ السنوات الأولى للحج إلى بليموث اعترف الحاكم وليم برادفود في يومياته بأن هداياهم من الأغطية الملوثة بجراثيم الجدري هي السبب في انتشار هذا الوباء بين الهنود.

في أواخر ما يسمى بالحرب الهندية الفرنسية ظهرت أول وثيقة دامغة تثبت استخدام الزنابير للسلاح الجرثومي عمداً، وتؤكد أن إبادة الهنود بالسلاح الجرثومي كان سياسة رسمية. ففي سيناريو كلاسيكي منقح لقصة تسميم الزعيم تشيسكياك ومن معه بأنخاب ( الصداقة الخالدة) على ضفاف نهر البوتوماك، كتب القائد الإنكليزي العام اللورد جفري إمهرست (عام 1736) أمراً إلى مرؤسه الكولونيل هنري بوكيه يطلب منه أن يجري مفاوضات سلام مع الهنود ويهديهم بطانيات مسمومة بجراثيم الجدري ( لاستئصال هذا الجنس اللعين To Extripate This Execrable Race .وقد أجاب بوكيه لاحقاً ) سأحاول جهدي أن أسممهم ببعض الأغطية الملوثة التي سأهديها إليهم، وسأتخذ الاحتياطات اللازمة حتى لا أصاب بالمرض. وببطانيتين وبضعة مناديل تم تلويثها في مستشفى الجدري- يقول ناشراً الوثيقة فاغنر وآلان ستيرن- انتشر الوباء بين أربعة شعوب هندية وأتى على أكثر من مئة ألف من أبنائهم وبناتهم. هناك وثيقة أخرى تتحدث عن إهداء أغطية مسمومة بجراثيم الجدري لهنود المندان Mandan في فورت كلارك. وقد نقلت هذه الأغطية يوم 20 حزيران 1837 من محجر عسكري لمرضى الجدري في سان لويس فحصدت كذلك أكثر من مئة ألف ضحية))
( محاولة لفهم أمريكا – محاضرة في المعهد الإعلامي بدمشق)

و في أمريكا الجنوبية أدى وصول الجدري و الحصبة مع كورتيس و جنوده و استخدامهما كسلاحين جرثومين عند شعوب لم تعرفهما من قبل أديا إلى إبادة هذه الشعوب.

و في القرون التالية حدث نفس الأمر بين الكويكوي في جنوب أفريقيا في القرن الثامن عشر، و بين الأبورجينين الأستراليين، و الماووري النيوزيلندي، و يعتقد أن الجدري كان سبب هلاك نصف السكان الأبورجينيين.و قتل وباء الحصبة ثلث سكان فيجي.
هذا عدا عن مرض الزهري الذي نشره الأوربيون في العالم و تسبب بعاهات و إبادات لشعوب لم تتعرف مناعتها على هذا المرض.

إن السجل الدامي للغرب و للطبعة الأمريكية منه تحديد لا يمكن تبييضه بخطاب إيديولوجي مخادع يستغل آلام الناس لينهب ثرواتهم و يدمر ثقافاتهم.
و إن الملاريا بكل فتكها هي أرحم بما لا يقاس من سياسات الغرب الإبادية.

(( الملاريا و المناعة الطبيعية لأفريقيا أو الملاريا كوسيلة مقاومة ))

مرض الملاريا مرض خطير، و قد قتل عبر التاريخ ملايين البشر.لكن الطبيعة كالمجتمعات البشرية لها سياقات مقاومة غير متوقعة، بل مفاجئة.
و هذه هي قصة الملاريا مع داء فقر الدم المنجلي. ففقر الدم المنجلي مرض وراثي ينتشر في أفريقيا و غيرها لكنه في أفريقيا أدى وظيفة هامة و هي مقاومة الملاريا لسبب بسيط هو أن كريات الدم الحمراء المنجلية الشكل لا تسمح لطفيلي الملاريا أن يتطفل عليها و بالتالي لا تصاب بالملاريا. و هذا يعني أن المصابين بمرض فقر الدم المنجلي محميون من الإصابة بالملاريا. تخيلوا لو أن أحد العلماء اكتشف علاجاً لفقر الدم المنجلي و خطر له أن يطبقه في أفريقيا في ذروة انتشار الملاريا هناك.بالطبع إن هذا المكتشف سيحرر البشر من فقر الدم المنجلي الذي يمكن أن يعيشوا به و ينجبوا أطفالا ليجعلهم صرعى مرض الملاريا الذي قد يقتلهم.

هذه القصة تتكرر اليوم بشكل آخر مع الملاريا و الاستعمار الغربي و الطبعة البوشية الأخيرة منه.
فالملاريا لعبت دور المقاوم الطبيعي لتوغل المغامرين المستعمرين خلال قرون فمنعتهم من التوغل في أعماق قارة أفريقيا لقرون حتى جاء اكتشاف الكينين الذي يستعمل للوقاية من الملاريا،فزال هذا الحاجز الطبيعي و تسارعت عملية اجتياح القارة.
يقول أوليفر رانسفورد :
(( إن الكينين أصبح العامل الأساسي الذي أتاح للرجل الأبيض فتح أفريقيا السوداء ))

فإذا حسبنا عدد الذين كان يمكن أن تقتلهم الملاريا بدون الكينين،و قارناه بالعدد الذي قتله التوغل الغربي،إما بالإبادة المباشرة،أو عبر تدمير النظام الاجتماعي،أو عبر تجارة العبيد لما شكل رقم ضحايا الملاريا إلا كسراً تافهاً من ضحايا الجرائم الغربية.
و الخطة الأمريكية الحالية لمكافحة الملاريا في أفريقيا يمكن القول عنها أنها تقترح مكافحة الملاريا التي تقتل مليون إنسان كل عام من أجل سهولة دخول الجيوش الأمريكية و خبراء البنك الدولي النهابين الذين سيبيدون أضعافاً مضاعفة من السكان، و أنا أعتقد لو أن الشعوب خيرت بين الملاريا و بين السيطرة الأمريكية لاختارت الملاريا بدون شك.

و كما يقول المثل العراقي بوش ومكافحة الملاريا في أفريقيا Frown اللي يشوف الموت تهون عليه السخونة ).


منقول
سمر
سمر
عضو ذهبي
عضو ذهبي

عدد الرسائل : 220
تاريخ التسجيل : 08/02/2007

https://samar.1forum.biz

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى